فصل: مسألة عبد بين رجلين أعتق أحدهما مصابته إلى سنة وأعتق الآخر بتلا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة أخدم رجلا نصف عبد له حياته ثم عتق النصف الباقي:

ومن كتاب سلف دينارا في ثوب إلى أجل:
وقال في رجل أخدم رجلا نصف عبد له حياته، ثم عتق النصف الباقي، قال: يقوم عليه ويخرج العبد حرا، ويؤخذ من السيد نصف القيمة، فيستأجر للمخدم منها من يخدمه، فإن هلك العبد وقد بقي من المال شيء، رجع ما بقي إلى السيد الذي أعتق عليه، وإن هلك المخدم وقد بقي من المال شيء رجع أيضا إلى السيد الذي أعتق عليه، وذلك إذا كانت الخدمة إلى حياة المخدم، وإن استنفد المخدم نصف القيمة قبل أن يموت، فلا حق على السيد الذي أعتق.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة على قياس قوله في أمهات الأولاد من المدونة في الذي يخدم جاريته رجلا ثم يطؤها فيولدها، والاختلاف في تلك، هل تؤخذ منه أمة تخدم مكانها، أو يستأجر له من القيمة من يخدم مكانها- داخل في هذه، فقد قال: إنه يؤخذ منه القيمة فيشتري بها نصف عبد يكون مكان المعتق، ولكن الاستئجار بالقيمة أولى وأصوب؛ لأن العبد إذا اشترى خشي عليه الهلاك، فإن لم يكن له مال يقوم عليه فيه، بقي على حاله يخدم الرجل إلى وقت الخدمة، ثم يعتق بقيته كله إن بلغ الأجل وسيده حي، وإن مات السيد قبل بلوغ الأجل، كان النصف الذي كان أعتقه عتيقا، والنصف الباقي رقيقا، إلا أن يكون قد رفع ذلك إلى السلطان في حياة السيد، فحكم بإنفاذ العتق إلى انقضاء وقت الخدمة، فينفذ ذلك من حكمه ويكون عتيقا كله من رأس المال، وقد ذهب بعض أهل النظر إلى أن هذه المسألة يعارضها ما تقدم في رسم يوصي، وما في المدونة وغيرها من أن من أخدم جاريته رجلا ثم أعتقها، أنها لا تعتق عليه بعد انقضاء الخدمة، وليس ذلك بصحيح، والفرق بين المسألتين بين وهو أنه أعتق في هذه المسألة نصف عبده الذي لا إخدام فيه، ففعل من ذلك ما يجوز له، والمسألة التي عارضها بها فعل سيد العبد فيها ما لا يجوز له من عتق ما قد أخدمه، والله الموفق.

.مسألة عبد بين اثنين أخدم أحدهما مصابته رجلا ثم أراد الآخر البيع:

ومن كتاب العشور:
وقال في عبد بين اثنين أخدم أحدهما مصابته رجلا، ثم أراد الآخر البيع قال: يبيع نصيبه وحده إن شاء، ولا يبيع الآخر معه، وكذا إن آجره، قلت: وله أن يؤاجر نصيبه بغير إذن صاحبه؟ قال: نعم، وكذلك الدار.
قال محمد بن رشد: قوله يبيع نصيبه إن شاء وحده ولا يبيع معه الآخر، معناه ولا يلزمه أن يبيع معه، إذ ليس ذلك له، للحق الذي للمخدم في اختدامه، وكذلك إذا آجر نصيبه من العبد، أو كانت دارا فأسكن نصيبه منها رجلا، أو إكراه منه؛ وفي أول سماع أصبغ عن أشهب خلاف هذا أن من حق شريكه إذا دعاه إلى البيع معه أن يبيع معه، وتنفسخ الإجارة، ويبطل الإخدام، وكذلك الدار على مذهبه إذا كانت لا تنقسم وقاله أصبغ أو لم يعجبه اشتراط النقد؛ ولكلا القولين وجه، فوجه قول ابن القاسم في هذه الرواية، أنه لما فعل في نصيبه ما يجوز له من إخدامه أو إجارته، لم يكن لشريكه أن يبطل ذلك عليه، وهو لم يتعد فيما فعل؛ ووجه قول أشهب أنه لما كان الحكم بين الشريكين فيما لا ينقسم إذا دعا أحدهما إلى الانفصال من صاحبه فيه لينفرد بحظه منه أن يباع، فيقتسما الثمن بينهما، إذ قد لا يجد من يشتري حصته منه على الإشاعة بحال، أو لا يجد من يشتريها منه إلا بأقل من نصف قيمتها كلها لضرر الشركة ولم يكن لشريكه أن يبطل عليه هذا الحكم الواجب له بما يعقده في نصيبه من الإجارة، أو يفعله من الإخدام، وهذا القول أظهر، وإياه اختار أصبغ، ولم يعجبه اشتراط النقد في الإجارة، لما للشريك والحق في فسخها أو فسخ ما بقي منه أن دعيا إلى البيع، ولم ير أشهب في النقد في ذلك بأسا. وقوله في ذلك أظهر من قول أصبغ، لأن الخيار الذي للشريك في فسخ الإجارة، أمر يوجبه الحكم له إن دعا إلى ذلك، فوجب ألا يكون له تأثير في المبيع من النقد إذ قد سلم العقد من أن ينعقد على خيار، كما أن الخيار الذي للسيد في فسخ نكاح عبده إذا تزوج بغير أمره، أو للوصي في فسخ نكاح يتيمه إذا تزوج بغير أمره، لا تأثير له في فساد النكاح، إذ لم ينعقد بين المتناكحين على خيار، وبالله التوفيق.

.مسألة عبد بين رجلين أعتق أحدهما مصابته إلى سنة وأعتق الآخر بتلا:

وقال في عبد بين رجلين أعتق أحدهما مصابته إلى سنة، وأعتق الآخر بتلا: إن بعض أهل العلم يقول: تقوم خدمته سنة فتؤخذ من الذي أعتق بتلا، فتدفع إلى المخدم ويخرج العبد حرا كله الساعة، لأن الخدمة رق؛ قيل له: لا يكون على حاله يعتق منه هذا النصف البتل، ويكون الآخر عتيقا بعد سنة؛ فقال: قد كنا نقول هذا القول ثم استحسنا هذا الآخر، ثم رجع ابن القاسم عن هذا فقال: أحسن ما فيه أن يكون على حاله؛ لأنه ظلم أن يؤخذ منه قيمة خدمة السنة ويكون ولاؤه لغيره.
قال محمد بن رشد: القول الذي كان يقوله أولا ثم رجع إليه آخرا، هو المشهور في المذهب المنصوص عليه في المدونة وفي غيرها موضع من كتب العتق من العتبية، من ذلك ما وقع في رسم أوصى من سماع عيسى منه، وهو الأظهر، لأن الأول هو الذي ابتدأ الفساد، فلا يقوم على الثاني وقد بين في الرواية وجه القول الذي كان استحسنه ابن القاسم، والحجة له في رجوعه عنه إلى القول الأول المشهور في المذهب بما لا يزيد عليه، وبالله التوفيق.

.مسألة بتل أحدهما مصابته فقال الآخر أنا أعتق إلى سنة:

قال ابن القاسم: وإن بتل أحدهما مصابته، فقال الآخر: أنا أعتق إلى سنة؟ قيل له: إما أن تعتق الساعة، وإما أعتقناه. يريد قومنا على هذا المعتق وأعتقناه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه، أنه إذا أعتق أحدهما مصابته منه بتلا، فليس لشريكه أن يعتق مصابته منه إلى أجل؛ ويقال له: إما أن تعتق حظك منه بتلا، وإما أن يقوم على الذي أعتق حظه منه بتلا- فيكون كله حرا، وإنما يختلف إذا بادر فأعتق حصته منه إلى أجل، فقيل: إنه يخير أيضا بين أن يعجل عتقه الساعة، أو يقوم على الأول؛ وهو قول ابن القاسم في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب العتق، وفي المدونة وروايته عن مالك، ورواية أشهب عنه أيضا؛ والوجه في ذلك أن يقوم العبد بين الشريكين على الذي أعتق نصيبه منه، حق للشريك في إفساد حظه منه عليه، وحق للعبد في تبتيل عتق جميعه، فإذا ترك الشريك حقه في التقويم وأعتق حظه منه إلى أجل، كان من حق العبد أن يقوم على الأول فيبتل عتقه، إلا أن يبتل الثاني عتق نصيبه، فلا يكون للعبد حجة، ولبعض الرواة في المدونة- وهو المخزومي- أنه يعجل العتق على الذي أعتقه إلى أجل، ولا يقوم على الأول، وهو اختيار سحنون، ووجه قوله: إنه لما أعتق نصيبه إلى أجل، فقد أفاته بالعتق، ووجب له ولاؤه؛ فلم يجب أن يقوم على الأول لوجهين، أحدهما: أنه قد ترك حقه في التقويم عليه، والثاني: أنه قد فوت نصيبه بالعتق ووجب له ولاؤه، فلا يصح أن يفسخ ذلك، وإذا لم يصح فسخه، وجب أن يعجل عتقه لحق العبد في تعجيل عتقه، وهذا القول أظهر- والله أعلم، وقد مضى هذا كله في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب العتق، وبالله التوفيق.

.مسألة تصدق على ابن له بخدمة جارية له حياته:

ومن كتاب البراءة:
وسئل عن رجل تصدق على ابن له بخدمة جارية له حياته، فإذا مات، فهي لابن له آخر مبتولة، ثم إن الأول وطئها فحملت؛ قال: يدرأ عنه الحد للشبهة، لأني سألت مالكا عن الرجل يخدم جارية له حياته، أو إلى أجل من الآجال، ثم هوي بها فأراد أن يتزوجها، قال مالك: لا أرى أن يتزوجها؛ قال ابن القاسم: وقد بلغني عن مالك أنه رآه بمنزلة الذي يتزوج أمة له فيها شرط فمسألتك مثلها، أرى أن يدرأ عنه الحد، ويقوم عليه بخدمة حياة هذا الواطئ على قدر الرجاء فيها والخوف، فيعطي المبتولة له قيمتها يوم ترجع على قدر ذلك، وتكون أم ولد للواطئ؛ قلت: فلو كان المبتولة له هذا الواطئ؟ قال: يخرج الواطئ قيمتها، فيخارج للمخدم منها من يخدمه ما عاش، فإن نجزت القيمة قبل موته، فلا شيء على الواطئ وإن مات المخدم وبقي من المال بقية، رد على الواطئ ما بقي من القيمة.
قال محمد بن رشد: يتحصل فيمن وطئ الجارية التي أخدمها حياته، ثم جعل مرجعها لغيره فحملت منه- أربعة أقوال، أحدها: أنه بمنزلة من وطئ أمة له فيها شرك فحملت منه، يدرأ عنه الحد، وإن كان عالما بأن وطأه إياها لا يحل له، وتقوم عليه يوم وطئها على الرجاء فيها والخوف عليه؛ يقال: كم كانت تساوي على أن تكون للمشتري بعد موت المخدم لو كان يحل بيعها على ذلك، فيغرم ذلك للذي إليه مرجع الرقبة، وتكون له أم ولد، ولا يكون عليه من قيمة الولد شيء- إن كان له مال، فإن لم يكن له مال، جرى ذلك على الاختلاف في الأمة تكون بين الشريكين يطؤها أحدهما، فتحمل ولا مال له. وهذا هو قول ابن القاسم في هذه الرواية، وفي سماع محمد بن خالد بعد هذا- قياسا على ما سمعه من مالك في أنه لا يجوز له أن يتزوجها، والثاني: أنه يحد إلا أن يعذر بالجهالة فلا يحد، وتقوم عليه بعد العقوبة؛ وهو قول ابن وهب، واختيار أصبغ. والقول الثالث: أنه يحد ولا يعذر في ذلك بالجهالة، كالمرتهن والمستعير، ولا يلحق به الولد؛ وهو قول أشهب وابن الماجشون، ومطرف ومحمد بن سلمة المخزومي، وأبي المصعب الزهري، قال ابن الماجشون في المبسوطة: ولم أقل أنا هذا، بل القرآن قاله، فسل القرآن عنه يخبرك بتعديه وجنايته، قال جل ثناؤه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] إلى قوله: {أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6]- إلى قوله: {هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7]، أفليس من كان عاديا، حقيقا بالحد؟ قال محمد بن مسلمة؛ ولقد أنزله من أسقط عنه الحد وقوم عليه الجارية- أحسن حالا ممن وطئ زوجته، أو ما ملكت يمينه؛ لأنه ملكه بفجوره، ما لا ملك له فيه بأن باعه على مالكه كرها. والقول الرابع: أن الحد يدرأ عنه بالشبهة، ويلحق به الولد، ويقوم عليه فيغرم قيمته للذي بتلت له، ويقر الجارية على خدمتها، إلا أن يخاف عليه أن يطأها أيضا فإن خيف ذلك ولم يؤمن خورجت عليه، فأعطى خراجها حتى يموت، ثم تصير إلى الذي بتلت له؛ وكذلك الخدمة المؤقتة إلى المدة الطويلة التي تتجاوز عمر المخدم، ولو كانت الخدمة إنما هي الأيام اليسيرة التي لا تشبه الرق ولا الملك، لم يعذر بالجهالة وحده ولم يلحقه الولد قولا واحدا، واختلف التأويل في الخدمة إلى السنين الكثيرة التي لا تتجاوز عمر المخدم، هل يدخل فيها الاختلاف الذي في الخدمة إلى موت المخدم أم لا؟ فقيل: إنه يدخل في ذلك، وقيل: إنه لا يدخل فيه ويحد قولا واحدا، والأظهر أنه يدخل في ذلك، وأما إن وطئها الذي إليه مرجع الرقبة- وهي في اختدام المخدم- قبل أن ترجع إليه، فقال في الرواية: إن الواطئ يخرج قيمتها فيخارج للمخدم منها من يخدمه ما عاش، فإن نجزت القيمة قبل موته، فلا شيء على الواطئ؛ وإن مات المخدم وبقي من المال بقية، رد على الواطئ، وهو مثل أحد القولين في المدونة- إذا أخدم الرجل جاريته رجلا عشر سنين ثم وطئها فحملت. والقول الثاني: أنه يؤخذ من الواطئ في مكانها أمة تخدمه في مثل خدمتها، فإن ماتت هذه الأمة والأولى حية والمخدم حي، فلا شيء على الواطئ، وإن مات المخدم قبلها، رجعت إلى الواطئ وقد قيل: إنه يؤخذ منه قيمة الأمة المخدمة التي أولدها فيشتري منها أمة تخدم مكانها، فإذا مات المخدم صارت إلى الذي أخرج قيمتها، وهو قول المخزومي، وإن لم يكن له مال، كانت له أم ولد، وبقيت على خدمتها- قاله ابن القاسم في سماع محمد بن خالد بعد هذا في بعض الروايات، وهو صحيح على قياس قوله؛ وهذا كله على القول بأن من أخدم عبده رجلا حياته، أو سنين مسماة- ومرجعه بعد الخدمة إلى غيره- أن الذي جعل له مرجع الرقبة يستحقها من الآن، فيرثه إن مات، ويأخذ قيمته إن قتل، لأن الأول قد تبرأ منه وأسلمه، فإنما يختدمه للمخدم على ملك الذي له مرجع الرقبة، وهو قول ابن القاسم في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى بعد هذا؛ وأما على القول بأن من أخدم عبده رجلا سنين مسماة أو حياة المخدم، ورجع مرجع رقبته بعد الخدمة إلى غيره لا يستحقه الذي إليه مرجع الرقبة إلا بعد انقضاء الإخدام، وأنه تكون قيمته إن قتل، وميراثه إن مات- لسيده الذي أخدمه، وهو قول ابن القاسم في رسم القضاء العاشر من سماع أصبغ واختيار أصبغ فيه، والقولان لمالك في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الجنايات فيحد إن كانت أمة فوطئها الذي إليه مرجع الرقبة، ولا يلحق به ولدها، إذ لم يجب له على هذا القول بعد، وإنما يستخدمها الذي أخدم إياها على ملك الذي أخدمه إياها وبالله التوفيق.

.مسألة قال لغلامه أخدم فلانا عشر سنين وأنت حر:

ومن كتاب العتق:
قال: وسألته عمن قال لغلامه: أخدم فلانا عشر سنين- وأنت حر، وإن أبيت فلا عتق لك ولا شرط، أو قال: ما أبقت أو غبت فعليك قضاؤه، فأبق. قال ابن القاسم: أرى الشرط عليه ثابتا- إن أبق، وإن لم يشترط ثم أبق، لم أر عليه قضاء ما أبق وهو حر. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن لسيده شرطه الذي اشترطه، إذ ليس فيه غرر، ولا فساد، ولا إبطال واجب، ولا إيجاب باطل، ولا تحليل حرام ولا تحريم حلال؛ وما كان سبيل هذا من الشروط، فهو الذي قال فيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المسلمون على شروطهم». وعنى أنه في القرآن، فأجازه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث بريرة: «ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل- وإن كان مائة شرط»، لأن العبد لم يكن له على سيده حق في العتق إلى العشرة الأعوام، أبق فيها أو لم يأبق، فيكون بما اشترط عليه من أنه لا حرية له إن أبق في العشرة الأعوام، قد أبطل حقا واجبا له عليه في ذلك، وما شرطه أن عليه قضاء ما أبق، فإن كان أراد أن يقضيه بعد حريته، فلا يلزم الشرط بذلك، إذ لا تتم حرية عبد وعليه خدمة. وإن كان أراد أنه لا يعتق إن أبق حتى يخدم الأيام التي أبق فيها زائدا على العشرة الأعوام، فالشرط بذلك جائز عامل، والسيد مصدق فيما يذكره من ذلك، ولا قضاء عليه فيما أبق إذا لم يشترط ذلك، لأن الحرية وجبت له بانقضاء العشرة الأعوام خدمها أو لم يخدمها- لمرض، أو تفرق أو إباق، وبالله التوفيق.

.مسألة أعطى عبدا يختدمه حياته:

قال: وسألته عن رجل أعطى عبدا يختدمه حياته، فأعطاه هو بعض أقاربه يخدمه على مثل هذا؛ قال: لا بأس بذلك، وكذلك السكنى في الدور وغير ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا إشكال فيه، لأنه حقه، فجاز أن يعطيه لمن شاء عطية، لأن هبة المجهول جائزة، وإنما الذي لا يجوز له أن يواجره حياته؛ ويجوز أن يواجره المدة القريبة، السنة والسنتين، والأمر المأمون بالنقد وغير النقد على ظاهر ما قاله في المدونة، وأما الأجل البعيد فلا يجوز بالنقد؛ واختلف فيه إذا لم ينقد؛ فلم يجزه في المدونة، وأجازه في رسم الأقضية الرابع من سماع أشهب من كتاب الصدقات والهبات؛ فإن وقع الكراء في السنين الكثيرة على القول بأن ذلك لا يجوز فعثر على ذلك، وقد مضى بعضها، فإن كان الذي بقي يسيرا لم يفسخ، وإن كان كثيرا فسخ قاله في كتاب محمد، وهو بين في المعنى، وبالله التوفيق.

.مسألة قال غلامي يخدم فلانا سنة ثم هو له وعليه دين:

قال: وسألته عن رجل قال: غلامي يخدم فلانا سنة ثم هو له وعليه دين هل يكف عنه غرماؤه إلى أمد هذه الخدمة؟ قال: أرى ألا يعدى عليه غرماؤه ببيعه حتى يقضي السنة، ويجب له بتلا؛ لأن للغرماء إجازته إن أحبوا.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يعدى عليه غرماؤه ببيعه حتى تنقضي السنة، ويجب له بتلا؛ يدل على أنه لو مات، لكان ميراثه لسيده الذي أخدمه إياه، ولو قتل، لكان له قيمته؛ وذلك خلاف قوله في أول سماع يحيى بعد هذا، مثل قوله في رسم القضاء العاشر من سماع أصبغ من هذا الكتاب، ومثل قوله أيضا في رسم عتق من سماع عيسى من كتاب الجنايات؛
وهو أصل قد اختلف فيه قول مالك أيضا- على ما حكاه في سماع أصبغ من هذا الكتاب، وفي رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الجنايات، والذي يأتي في هذه المسألة على قياس رواية يحيى بعد هذا، وأحد قولي مالك، أن يباع للغرماء، ولا ينظر انقضاء أمد الخدمة، وهو قول مطرف؛ حكى ابن حبيب عنه أنه يباع ويتسلط الدين عليه، وإن كان في مدة الخدمة، لأنه صيرها ملكا له؛ قال: وهذا ما لا شك فيه ولا اختلاف عندنا، وقد مضى هذا المعنى أيضا في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس في الذي يحبس الحبس على الرجل، فيقول: هو لك حياتي، ثم هو في سبيل الله أو صدقة؛ لأن الاختلاف في ذلك هل يكون بعد موته في السبيل من ثلثه، أو من رأس ماله، على هذا الأصل، وبالله التوفيق.

.مسألة يخدم الرجل العبد إلى أجل ويبتله بعد الأجل صدقة على رجل:

من سماع يحيى من ابن القاسم من كتاب يشتري الدور قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يخدم الرجل العبد إلى أجل، ويبتله بعد الأجل صدقة على رجل، ثم يقتل العبد، أو يموت؛ قال: يرث ما ملك عنه العبد، ويأخذ عقله إن قتل الذي تصدق به عليه بعد الخدمة؛ وذلك أن السيد قد كان تبرأ من جميع العبد ومنافعه، إذ جعل الخدمة إلى أجل لرجل والرقبة بعد الخدمة لآخر؛ فمن كان إليه مرجع العبد بعد أجل الخدمة، فهو أحق بميراثه وعقله. قلت: فإن لم يتصدق به بعد الخدمة على أحد فقتله السيد، قال: إن قتله خطأ فلا شيء عليه، وإن قتله عمدا غرم قيمته فاستؤجر بها للمخدم مثله إلى انقضاء أجل المخدمة؛ فإن بقي بعد انقضاء أجل الخدمة من قيمته شيء، رجع إلى سيده القاتل، وإن فنيت القيمة في إجارة من استؤجر للمخدم قبل انقضاء الأجل، فلا غرم على سيد العبد بعد إخراج جميع قيمة العبد المقتول. قلت: وكذلك لو قتله السيد وقد كان بتله لرجل صدقة عليه بعد أجل الخدمة، أكنت تستأجر من قيمته التي يغرم للسيد- أجيرا للمخدم، فإن بقي من تلك القيمة شيء بعد انقضاء أجل الخدمة، كان للذي تصدق عليه برقبته، وإن لم يبق شيء فلا شيء له، ويكون المخدم أحق بالتبدئة في استئجار أجير- بقية العبد المقتول من الذي تصدق عليه بالرقبة؛ فقال: لا يكون هذا الذي وصفت لك إلا في أن يقتله السيد عمدا، ومرجعه إليه بعد الخدمة؛ فأما إذا بتله لرجل بعد الخدمة ثم قتله عمدا، فهو بمنزلة أجنبي قتله، لأن مرجعه إلى غيره، فهو يغرم قيمته، ويكون الذي بتلت له الرقبة أحق به.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي يخدم الرجل العبد وبتله بعد الأجل صدقة على غيره، أنه إن مات العبد أو قتل، يأخذ إن مات ماله أو قيمته إن قتل الذي تصدق به عليه بعد الخدمة؛ خلاف نص قوله في رسم القضاء العاشر من سماع أصبغ بعد هذا، وخلاف لأصله في مسألة رسم العتق من سماع عيسى قبل هذا- حسبما بيناه؛ وهو أصل قد اختلف فيه قول مالك أيضا حسبما قاله في سماع أصبغ من هذا الكتاب، وفي رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الجنايات، فسواء على قوله في هذه الرواية قتل العبد في خدمة السيد الذي أخدمه أو أجنبي من الناس عمدا أو خطأ، تبطل الخدمة وتكون القيمة للذي جعل له المرجع بعد الخدمة؛ وأما إن لم يتصدق به سيده بعد الخدمة على أحد هاهنا إن قتله سيده خطأ، فلا شيء عليه كما قال، لأنه أخطأ على نفسه بالقتل، فبطلت الخدمة؛ وإن قتله عمدا، لزمته قيمته كما قال، ويستأجر منها للمخدم من يخدمه مكان العبد الذي قتله، لأنه قصد إلى إتلاف الخدمة عليه؛ فإن فنيت القيمة قبل أجل الخدمة، لم يلزمه أكثر من ذلك؛ وإن انقضى الأجل قبل تمام القيمة، رجع ما بقي منها إلى السيد؛ وقد قيل: إنه يأتي بعبد يخدم المخدم مكان العبد الذي قتل، فإذا انقضى أجل الخدمة، رجع إليه عبده؛ وإن مات قبل الأجل، لم يكن عليه في بقية الأجل شيء، والقولان في المدونة؛ وقد قيل: إنه يشتري بالقيمة عبد يخدم المخدم مكانه، وهو قول المخزومي؛ وأما إن قتله أجنبي، فتلزمه قيمته لسيده، وتبطل الخدمة- قتله عمدا أو خطأ، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول يخدم فلان غلامي فلانا وفلانا ما عاشا ثم هو حر:

ومن كتاب الأقضية:
قال: وأخبرني ابن القاسم أنه سمع مالكا يقول في الرجل يقول: يخدم فلان غلامي فلانا وفلانا ما عاشا- ثم هو حر، فيموت أحد الرجلين، إن الخدمة كلها للباقي، ولا عتاقة للعبد حتى يموت الباقي؛ قال: قال مالك: فإن قال: يخدم فلانا يوما، وفلانا يوما، ثم هو حر بعد موتهما فمات أحدهما؛ رجع نصيبه من الخدمة إلى السيد، أو إلى ورثته إن مات. قلت لابن القاسم: فإن قال أحدهما للعبد: حظي من خدمتك عليك صدقة، قال: لا يعتق منه بذلك شيء، ولكن يكون رقه موقوفا، ويخدم نفسه النصف، والمخدم الباقي النصف؛ قيل له: فإن ترك له الباقي نصيبه من الخدمة، قال: يعتق كله؛ قلت: فإن مات أحدهما فرجع نصيبه من الخدمة إلى السيد، ثم ترك الشريك نصيبه من الخدمة للعبد؛ قال: لا يعتق حتى يموت المخدم الذي ترك نصيبه، قلت: لم وقد مات أحدهما وترك الآخر نصيبه من الخدمة للعبد؟ قال: لأن السيد قد ورث خدمة الميت منهما وثبت ذلك له، فترك الباقي حظه من الخدمة لا يضر السيد، كما لم يضر أحدهما حين ترك شريكه الخدمة- وهما باقيان، ولكن يخدم نفسه النصف، ويخدم السيد النصف حتى يموت المخدم الثاني؛ قال: وقال مالك: لا يجوز لواحد منهما أن ينزع مال العبد المخدم إذا جعل حرا إلى أجل.
قال محمد بن رشد: قد قيل إن نصيب من مات منهما من الخدمة يرجع إلى السيد وإن لم تقسم الخدمة بينهما بأن يقول لهذا يوم، ولهذا يوم؛ وقيل أيضا: إن نصيب من مات منهما يرجع على صاحبه، وإن كان قد قسم الخدمة بينهما، وتفرقته هاهنا بين أن يقسم الخدمة بينهما أو لا يقسمها، قول ثالث في المسألة؛ والثلاثة الأقوال كلها لمالك، وقد مضى بيان ذلك في أول سماع ابن القاسم من كتاب الحبس، وقوله: إنه إذا تصدق أحدهما على العبد بحظه من خدمته، أنه لا يعتق بذلك منه شيء- يريد حتى يموت المخدم الثاني؛ فإذا مات المخدم الثاني، عتق جميعه، ويخدم ما دام المخدم الثاني حيا- نفسه يوما، والمخدم الثاني يوما، ويسقط على مذهبه حق السيد في رجوع حظه من خدمة العبد إليه إن مات قبل المخدم الثاني بالهبة؛ لأنه حكم لما يرجع إلى السيد من الخدمة بحكم الميراث الذي يسقط حق الوارث فيه بهبة الموروث إياه قبل وفاته؛ فرأى أن الخدمة إذا وهبها المخدم للعبد في حياته، استوجبه العبد ولم يكن للسيد فيها حق، فإذا وهب المخدم الثاني حظه من الخدمة أيضا، عتق كله كما قال- على أصله في أن حق السيد فيما يرجع إليه من خدمة العبد بموت أحدهما قبل صاحبه، يبطل بالهبة؛ وفي ذلك من قول ابن القاسم نظر، إذ ليس يرجع إلى السيد خدمة حظ من مات منهما قبل صاحبه على سبيل الميراث، وإنما يرجع إليه، لأنه أبقاه لنفسه على ما يوجبه الحكم إذا قسم الخدمة بينهما فكان القياس ألا يبطل حقه في رجوع خدمة حظ من مات منهما قبل صاحبه إليه بهبته إياه، وهب كل واحد منهما حظه من ذلك، أو وهب ذلك أحدهما؛ ألا ترى لو قال: رجل يخدم عبدي فلانا سنة، ثم فلانا سنة، ثم فلانا سنة، ثم هو حر؛ فوهب المخدم الأول خدمته للعبد، لم يسقط بذلك حق المخدم الثاني في خدمة السنة الثانية، إذ ليست ترجع إليه بميراث عن المخدم الأول، لوجب أن تكون للعبد خدمته السنة التي وهب إياها، وللمخدم الثاني خدمة السنة الثانية، ثم يعتق العبد؛ فكان القياس على هذا في مسألتنا، إذا تصدق أحدهما على العبد بحظه من خدمته، أن يخدم نفسه يوما، والمخدم الثاني يوما- حتى يموت أحدهما؛ فإذا مات المخدم الواهب لخدمته أولا، رجع حظه من خدمته للسيد، وخدم يوما للسيد أو لورثته إن كان قد مات، ويوما للمخدم الثاني حتى يموت فيعتق جميعه؛ وإن مات المخدم الذي لم يهب خدمته أولا، رجع أيضا حظه من الخدمة إلى السيد فخدم نفسه يوما، والسيد وورثته إن كان قد مات يوما حتى يموت المخدم الأول الذي وهب حظه من الخدمة، فيعتق جميعه؛ وكذلك أيضا كان القياس على هذا إذا تركا جميعا الخدمة للعبد ألا يبطل بذلك حق السيد فيما يجب له من الحق في رجوع خدمة من مات منهما قبل صاحبه إليه، وأن يكون الحكم في ذلك أن يكون رق العبد موقوفا، فتكون خدمته لنفسه خاصة- خالصا- ما داما حيين حتى يموت أحدهما؛ فإذا مات أحدهما، رجع حظه من خدمة العبد إلى السيد، فخدم نفسه يوما، والسيد يوما، حتى يموت الثاني فيعتق جميعه؛ وأما إذا ما مات أحدهما قبل أن يهب حظه من خدمة العبد للعبد، فاستحق ذلك السيد، فلا إشكال فيما قاله في الرواية أن من حق السيد في اختدام حظه منه إلى أن يموت المخدم الثاني، لا يسقط بهبة المخدم الثاني لحظه من خدمة العبد ويكون السيد على حقه في خدمة نصفه، فيخدم له يوما، ولنفسه يوما، حتى يموت المخدم الثاني فيعتق جميعه؛ ولابن لبابة في المنتخب في هذه المسألة كلام مختل فاسد، قول ابن القاسم فيها ما لم يقله، وتأول عليه فيها ما لم يرده؛ وألزمه الاضطراب على ما قوله إياه، وتأوله عليه؛ ومعنى ما ذهب ابن لبابة في المسألة إليه- أن ابن القاسم لم يعجل عتق نصف العبد بشك إذا وهب أحدهما خدمة حظه، من أجل أن اليقين حاصل في رق النصف الآخر، وعجل عتقه بشك إذا وهبا جميعا خدمته من أجل أن اليقين حاصل في النصف الآخر، وطول الكلام في ذلك بتخليط لا يصح، إن لا يمكن تعجيل عتق بعض العبد بهبة أحدهما لحظه من الخدمة؛ لأن ما بقي فيه شعبة من الرق، فأحكامه أحكام عبد، ولا يصح لأحدهما فيه عتق، إذ لا يملك واحد منهما من رقبته شيئا وإنما يعتق بعتق السيد إياه على الشرط الذي شرطه، فلم يضطرب ابن القاسم في قوله- كما زعم ابن لبابة، بل جرى فيه على أصل واحد- غير صحيح- حسبما بيناه وقررناه؛ وأما على القول بأن حظ من مات منهما يرجع إلى صاحبه، وأنَّ قسم الخدمة بينهما، فإن ترك أحدهما للعبد حظه من خدمته خدم نفسه يوما، وصاحبه يوما- حتى يموت فيعتق؛ وإن ترك كل واحد منهما له حظه من خدمته، عجلت حريته، ولا إشكال في هذا؛ وقد مضى في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، وفي أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس- الكلام على ما قاله مالك في آخر المسألة من أنه لا يجوز لواحد منهما أن ينتزع مال العبد المخدم إذا جعل حرا إلى أجل، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة أخدم عبدا له رجلا فقبضه المخدم فخدمه أياما:

من سماع سحنون قال سحنون في رجل أخدم عبدا له رجلا فقبضه المخدم فخدمه أياما، ثم إن السيد أعتقه؛ قال: عتقه جائز ويرجع المخدم على السيد بقيمة ما بقي له من الخدمة.
قال محمد بن رشد: قول سحنون هذا خلاف ما تقدم لابن القاسم في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى، وخلاف قوله في المدونة وغيرها من أنه لا عتق له فيه حتى تنقضي الخدمة، أو الإجارة- إن كان في الإجارة، وإنما يقول ابن القاسم: إنه يكون عليه قيمة الخدمة إذا قتل العبد، أو كانت أمة فأولدها، على ما مضى القول فيه في أول رسم من سماع يحيى من هذا الكتاب، وبالله التوفيق.

.مسألة المخدم يطأ الجارية التي اختدم فاعتذر فيها بالجهالة:

من سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم قال: وسألته عن المخدم يطأ الجارية التي اختدم فاعتذر فيها بالجهالة، أيدر عنه الحد؟ فقال: نعم، ولو تعمد ذلك بمعرفة. قال ابن القاسم: ولا يجوز للمخدم أن يتزوجها؛ قال مالك: لأنه فيها بمنزلة الشريكين في الجارية. قلت: فإن وطئها المخدم فأحبلها، قال: تكون أم ولد ويغرم قيمتها، فيستأجر منها للمخدم. قلت: فإن لم يكن له مال، قال: يأخذ ولده ويخدم الجارية إلى الأجل.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم البراءة من سماع عيسى، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.